أمس واليوم وغدًا
ترددت كثيرًا قبل الكتابة والخوض في حادثة ملعب رادس التي تتعلق بخطأ ارتكبه اللاعب اللافي أدى إلى إصابة زميله الهوني؛ لأنني أرفض رفضًا تامًا إيذاء لاعب للاعب، وقوانين الفيفا شهدت كثيرًا من التعديلات من أجل الحدّ من ذلك، وألزمت الحكام بالصرامة في تنفيذ القانون.
لكن ما جعلني أخوض في الحادثة ردود الأفعال (السلبية) التي أعقبتها والتزمت سوء النية لتبرز ما حدث وكأنه جريمة مبيّتة لا لشيء إلا لأمر في نفس يعقوب.
بالنسبة لقوانين اللعب؛ طبقها الحكم وأقصى المخطئ بالبطاقة الحمراء وسينال العقاب وفق التقرير.
أما إذا أراد الهوني تقديمه للعدالة فلن تقضي عليه بالإعدام ولأنه ابن “هون” وليبي أصيل فلن يفعل ولا أخاله إلا غفر لأخيه، هذا إذا اعتبرنا أنه ارتكب “جرمًا” مقصودًا ونحن كبشر لا نعلم ما تخفي الصدور.
(وربك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون) رغم أن هناك من الإعلاميين من ادعى علمه بخفايا الصدور وشكك في مصداقية زيارة اللافي لزميله الهوني في المصحة وأن الاعتذار كاذب.
أي عقلية هذه؟ أليس هذا إضمارٌ للأحقاد والأضغان وتركيبًا للنفوس على بعضها، والحق تبارك وتعالى يغفر جميع الذنوب عدا الإشراك به وأعطى للعباد فرصة التوبة عن كل الأخطاء بشرط ألا تكون تحت وطأة الموت.
بالمنظور العادي، إن كان اللافي متعمدًا فعقوبته في الدنيا اتخذها الحكم وفي الآخرة أمره عند الله، وإذا قبل الهوني اعتذاره فانتهى كل شيء دنيا وآخرة.
نحن نسعى لتجاوز كل أخطاء مرحلة صعبة مرت بها بلادنا وإقرار المصالحة، فكيف يحاول البعض تعميق جرح خطأ في مباراة يحكمها القانون في الملعب والعرف والفضيلة خارجه؟
ما أكثر اللاعبين الذين انتهت مسيرتهم في الملاعب بسبب مثل هذه الأخطاء مقصودة أم عن غير قصد لأن الإقرار بالقصد من عدمه مرهون بسريرة من ارتكب الخطأ ونحن لا نعلم السرائر.
لقد حرم محمد صلاح من نهائي أوروبا بسبب راموس، وبيليه من كأس العالم بسبب لاعبي البرتغال، وفوزي العيساوي من مباراة نهائية بسبب مدافع، ولا يعلم نية القصد من عدمه إلا هذا المدافع، وقد تم الاعتذار وانتهى كل شيئ.
فالحلال والحرام بالدين وليس كما يريد بعض الناس.
لقد شاهدنا حكامًا يُعتدى عليهم وهم يمثّلون القانون، وتم الاعتذار بغض النظر عن عقوبة اللوائح، وفعل أحد مدافعي الجزائر ما فعل بالقيصر الهاشمي وأنهى مسيرته كلاعب وانتهى الأمر بالصفح.
هي مجرد أمثلة، فكيف يرفض البعض اعتذار اللافي وتمنعون الهوني من نيل ثواب وقابل السيئة بالحسنة ؟
كفى تعصبًا وأمراضًا نفسية، فاللافي اليوم لاعبٌ بفريق، وغدًا قد يكون بفريق آخر شأنه شأن المنير والطبال والمريمي وعلي رحومة وونيس خير والقزيري، وهكذا هي الرياضة تقرّب ولا تفرّق والرسول الكريم قال لمن أذاه وكذبه واتهمه بالساحر وضربه بالحجارة من الكفار: اذهبوا فأنتم الطلقاء..