الإعلامي والموثق الرياضي الراحل عمر فكرون كما عرفته
لم أكن أتوقع أن يأتي يومًا وأكتب فيه عن زميلي وأخي وصديقي العزيز ورفيق الدرب والمشوار عمر فكرون في غيابه ورحيله فقد كنت أكتب في الكثير من المناسبات في حضوره وكانت دائمًا خطوط التواصل مفتوحة بيننا نتواصل ونتبادل الآراء ووجهات النظر حول ما نتناوله في مختلف وسائل الإعلام لنقدم ما ينفع الناس وأهل المجال لكنها إرادة المولى عز وجل.
فأصعب أنواع الكتابة أن تكتب عن الأصدقاء ورفاق العمر والذكريات، بعد تلقي صدمة الرحيل الصعب والفراغ الكبير الذي تركوه والذي يصعب تعويضه بسهولة ونزولا عند رغبة العديد من الأصدقاء الأعزاء، أجد نفسي في مواجهة امتحان صعب بل لا أبالغ إن قلت أنها مهمة إعلامية شاقة، وها أنا ذا أحاول جاهدًا أن أجتهد وأستعيد شيئا من بعض الذكريات علنى أوفق في ذلك.
مرحلة الدراسة
عرفت الزميل والصديق الطالب عمر فرج فكرون، خلال فترة الدراسة بالمرحلة الثانوية بمدرسة بنغازي الثانوية التي تقع بمنطقة الصابري بالقرب من نادي التحدي، وكان وقتها يدرس بالسنة الثالثة الشهادة الثانوية بينما كنت أدرس في السنة الأولى ثانوي، كانت تلك المدرسة العريقة ليست مجرد مؤسسة تعليمية بل مؤسسة رياضية بامتياز، كونها كانت من مديرها مرورا بمدرسيها إلى طلابها إلى صاحب مطعم المدرسة أغلبهم رياضيين ومن الأسرة الرياضية، ومن مختلف الأندية بمدينة بنغازي حيث كان مدير المدرسة الحكم الراحل الأستاذ والمربي الفاضل أحمد الشريف ونائبه هو الفنان والرياضي الأستاد فتحي بدر، ومن أبرز أساتذتها كان لاعب الأهلي بنغازي الراحل عبدالجليل الحشاني، الأخصائي الاجتماعي ومدافع الأهلي ببنغازي فرج ساطي مدرس الاجتماعيات، والراحل عوض مخلوف لاعب النجمة والهلال، مدرس التاريخ، ومن أبرز طلابها كان نخبة من رياضيي ولاعبي مختلف الأندية نذكر منهم صلاح الزاوي ومصباح ماضي ومحمود بن حميد من الأهلي ببنغازي وأحمد السنفاز من التحدي وفوزي الدراجي وبوبكر الغزالي من الهلال والنصر، وحمد زيو من الهلال والمرحوم حمد المقرحي وفرج عبدالله من النجمة ومحمد الكلوة من السواعد.
وفى كرة السلة عبدالكريم المزوغي من الأهلي بنغازي وفي الكرة الطائرة غيث العمروني من الأهلي بنغازي وفي كرة اليد، لاعب الهلال ناصر ماعونة، وفي رياضة السباحة البطل الدولي صلاح النجار، وفي ألعاب القوى عبدالقادر الفيتوري.. وغيرهم، وكان صاحب مطعم المدرسة هو المرحوم الهلالي محمد الورفلي الشهير بعوريمة.
وكان لهذا الوسط والمحيط الرائع الذي كنا نعيشه كل يوم خلال فترة الدراسة بكل ما فيه من تنوع جميل في الانتماءات واحترام كل الأذواق والألوان دور كبير في بروز وتشكيل، شخصية الراحل عمر فكرون وظهورها على الواجهة الرياضية والثقافية والاجتماعية والإعلامية حيث كان الراحل علاوة على كونه طالبا كان أشبه بمدرس التربية الرياضية، حيث تجد في سيارته الكبيرة نوع فولكس بيضاء اللون والتى كان يسمح له بالدخول بها، داخل سياج المدرسة ويركنها بجوار الملعب، كل احتياجات المنافسات الرياضية من كرات وغير ذلك وكان يمثل مصدر البهجة والسعادة لجميع الطلاب الذين كانوا يبحثون عن الترويح من عناء الحصص الدراسية المكثفة، وكان في فترة الاستراحة ونهاية الدوام أو في الأيام الرياضية المدرسية أحد أبرز المساهمين في تنظيم المباريات بين الفصول ثم منتخبات المدارس وكذلك الرحلات مساهما في توثيق تلك المرحلة بالتقاط بعض الصور التذكارية، وكان لهذه المباريات التنافسية صداها حيث كانت هذه المدرسة الرياضية قبلة للعديد من المدربين والكشافين من جميع الأندية الرياضية.
دور إعلامي متميز بنادي النصر
وعلى صعيد المؤسسات الرياضية شهد نادي النصر مرحلة أخرى مهمة في بداية مسيرته حيث كان أحد أبرز محطاته وأحد أهم منتسبيه ورواده الذين تميزوا وبرزوا في النشاط الإعلامي والثقافي بالنادي منذ فترة أواخر السبعينيات تقريبا مهتمًا بتوثيق وإبراز أنشطته ومبارياته ومنافساته وكل نشاطاته الرياضية والثقافية والاجتماعية حيث شارك معنا في صحيفة النصر الأسبوعية.
ثم كان أحد أبرز المشاركين في إنجاح المركز الإعلامي للنادي منذ تأسيسه مساهمًا في إثرائه بأرشيفه الثري ورافق الفريق في العديد من مشاركاته المحلية والدولية ومعسكراته التدريبية داخل وخارج الوطن وكان خير داعم ومساند لأغلب المدربين الذين تعاقبوا على تدريب فرق النصر خاصة في كرة القدم والسلة حيث كان يوفر ويقدم لهم خدمة إعلامية مجانية بتوفير بعض الأشرطة المرئية التي يحتاجونها عن فريق النصر والفرق المنافسة الأخرى فكان نجم وبطل الظل والجندي المجهول الذي كان له دور في نجاحات الكثير من هؤلاء المدربين.
أول دوري ستاك ببنغازي
واستمرت مسيرته الرياضية منذ تلك المرحلة وحين توقف النشاط الكروي عام 1979 أقيم بمدينة بنغازي أول دوري على مستوى الملاعب الصغيرة وهو دوري الستاك ” دوري الضريح”، الذي استمر لخمس مواسم رمضانية متتالية، والذي كان يضم أبرز نجوم الكرة الليبية وقتها وكان الفقيد الراحل من الذين ساهموا في توثيق تلك المرحلة الهامة في غياب وسائل الإعلام بعدسته الخاصة حتى إن أغلب الصور المتداولة عن هذا الدوري الشهير بمواقع التواصل الاجتماعي كانت بعدسته وبفضل جهده الكبير.
وحين أقيم خلال شهر رمضان المبارك الماضي مهرجان الوفاء بمناسبة مرور أربعة عقود على انطلاق أول دوري ستاك ببنغازي كان أحد أبرز الداعمين والمتعاونين في إحياء هذا اليوم الرمضاني الجميل والمساهمة في انجاحه وزودنا بأرشيف عن تاريخ هذا الدوري وقدمناه عبر عمل وثائقي عرض في عدد من القنوات الفضائية عن تاريخ دوري الستاك الرمضاني ببنغازي.
بطولة أمم أفريقيا
عندما نظمت ليبيا لأول مرة بطولة أمم أفريقيا لكرة القدم عام 1982، كان الفقيد دائم التواجد بمدرجات ملعب كرة القدم الرئيسي بالمدينة الرياضية ببنغازي وتابع جميع مباريات البطولة من على مقاعد المدرجات ناحية الظل المجاورة لمكان ومدخل دخول اللاعبين إلى أرضية الملعب، وساهم في التقاط بعض الصور الرياضية التذكارية لبعض نجوم المنتخبات المشاركة ومن بينها نجوم المنتخب الجزائري ممثل الكرة العربية في كأس العالم والذي كان يقيم وقتها بفندق قصر الجزيرة ببنغازي.
إذاعة بنغازي المحلية
استمرت علاقته بالنشاط الرياضي كمتابع وراصد لمختلف الأحداث الرياضية حيث كان له تعاون معنا بإذاعة بنغازي المحلية بعد إنشائها في شهر أغسطس عام 1994، فحين توليت تأسيس ورئاسة القسم الرياضي بالإذاعة المحلية وقتها طلبت منه التعاون معنا في إعداد المادة الإخبارية الخاصة بالرياضة العربية والعالمية، فكان مصدر ومرجع مهم للخبر الدقيق وأحد أبرز نجوم الأخبار الحصرية العربية والعالمية في تلك الفترة، وكان يقوم بدور إعداد النشرات الإخبارية الرياضية، وألتزم معنا في أداء هذه المهمة لفترة طويلة رغم أنه كان متطوعًا، كما ساهم معنا فيما بعد في العديد من الصحف الرياضية المحلية التي كانت تصدر في تلك المرحلة، ومنها صحف البلديات وصحف الأندية الرياضية، حيث كانت هناك وقتها صعوبة في الحصول على مثل هذه الأخبار، وكان دائم التواجد في محله الخاص بشارع القزير بوسط المدينة، وكأنه مكتب وكالة أنباء إخبارية، وبجواره جهاز مذياع وتلفاز يؤانس وحدته لاستقاء الأخبار وإعادة تحريرها وصياغتها وتركها مبكرا خلال الفترة الصباحية بمكتب الاستقبال بالإذاعة بشارع عبدالمنعم رياض للزملاء الذين تناوبوا على تقديم الفقرة الرياضية اليومية.
ستوديو ليبيا الحرة
فى عام 2012 تعاون مع قناة ليبيا الحرة الفضائية ببنغازي بالقسم الرياضي بالقناة وساهم في إعداد عدد من المواعيد الإخبارية اليومية والبرامج الأسبوعية برفقة عدد من الزملاء، كما حل ضيفا ومحللا في العديد من البرامج والمواعيد الرياضية عبر شاشتها
قناة ليبيا الرياضية
شهدت قناة ليبيا الرياضية أخر ظهور وتواجد إعلامي له، وهي القناة التي بدأت علاقته بها رسميًا عام 2014 حيث ساهم برفقة زميله طارق الرويعي، فى إعداد وتقديم برنامج متميز يحمل اسم كتابات رياضية وشكل معه ثنائي متجانس ومتناغم ولاقى هذا البرنامج نجاحًا كبيرًا واستضاف أبرز نجوم الصحافة الرياضية في عصرها الذهبي وكان يقضي أغلب أوقاته داخل أروقة القناة متابعًا لمراحل العمل بدقة وحرفية متناهية، حيث تولى فيما بعد رئاسة إدارة البرامج الرياضية بها وساهم بشكل كبير في الإعداد والإشراف على إعداد العديد من البرامج الرياضية والمباريات الرياضية وتشجيع العديد من الأسماء التى شقت طريقها فيما بعد في مجال الإعلام الرياضي وكان نجم الكواليس يفضل دائما العمل بعيدًا عن الأضواء.
رابطة النصر الاجتماعية
ولم يغفل الفقيد الراحل الدور الاجتماعي من خلال تواصله ومشاركته الجميع فى أفراحه وأحزانه، حيث كان أحد السباقين والمبادرين للانتساب لرابطة النصر الاجتماعية التي ساهم في توثيق مختلف أنشطتها وتفاعل مع كل برامجها الاجتماعية وأعمالها الخيرية والإنسانية وأنتج مؤخرًا بجهد ذاتي عمل مرئي يروي مسيرة هذه الرابطة الاجتماعية.
رحيل فى صمت وهدوء
مسيرة طويلة ناصعة حافلة بالعطاء في صمت وعامرة بالذكريات الجميلة التي تزدحم في ذاكرتي والمواقف الإنسانية النبيلة التي تميز بها ناهيك عن علاقاته الطيبة بين الجميع وسيرته العطرة وتركه أثر طيب وبصمة في كل موقع ومؤسسة يتواجد بها، وقد تلقت أسرته الرياضية الكبيرة أعداد هائلة من رسائل التعازي والمواساة التي وصلت من داخل وخارج ليبيا ونعى الفقيد الراحل عدد كبير من زملائه ورفاق دربه ومشواره عبر صفحات التواصل الاجتماعي كما نعاه عبر صفحاتهم الشخصية العديد من الإعلاميين والمدربين الذين تعامل معهم عن قرب بنادي النصر منهم المدرب الصربي بورا رادوكا والمدرب المصري لكرة السلة طارق سليم والمدرب التونسي المنصف العرفاوي وحتى اللاعبين المحترفين الذين لعبوا لفرق كرة القدم والسلة بنادي النصر الذين تعاملوا معه عن قرب وعرفوا فيه كل الخصال الطيبة.
رحم الله فقيد وابن بنغازي العاشق لها وليبيا وكل الأسرة الرياضية والإعلامية الراحل الخلوق عمر فكرون، صاحب القلب الطيب الذي استوعب الجميع، والذي عاصر مختلف الأجيال وكان وفيا لها بامتياز، ولم يبخل عليها بالعطاء، وكان نموذجًا يحتذى به فى الإخلاص والوفاء والتضحية من أجل الأخرين والصدق في القول والعمل، وعاش بيننا في هدوء وبلا ضجيج ورحل عنا في هدوء تام، عوضنا جميعا عن هذا الغياب والفراغ الكبير خيرًا – وإنا لله وإنا إليه راجعون.