اراء

الرياضة والانتكاسة من تدخلات السياسة

خليفة بن صريتي‎‎الرياضة سمو أخلاقي وتنافس شريف والخصم فيها جزء منك ومكمل لك، والرياضة وجدت في الأساس من أجل بناء الإنسان بدنياً وتربوياً ليساهم في بناء مجتمعه بشكل إيجابي، وتطورت منافساتها وبطولاتها لتجمع العالم حولها في أسرة واحدة بعيداً عن التعصب والعنصرية والكراهية، ولا نريد أن نسترسل في مزايا الرياضة وتأثيراتها الإيجابية على المجتمعات، وقد أصبحت وجبة يومية في شتى أنواع وسائل الإعلام ولها نجومها ومدربوها ومتابعوها وعشاقها، ولا يفسد الرياضة إلا التدخلات السياسية فإذا دخلت السياسة على المجال الرياضي أفسدته خاصة في دول العالم الثالث، وفي تجربة بلادنا لدينا الكثير من الشواهد على ذلك بداية من انسحاب فريقنا الوطني لكرة القدم أمام الفريق الجزائري بطرابلس وما ترتب عليه من ضحايا، والانسحاب من دورة ألعاب البحر المتوسط الثامنة في مدينة سبليت سنة 1979 في آخر لحظة بعد أن استلم الرياضيون بدل السفر، وكذلك عودة الفريق الليبي لكرة القدم من الحدود التونسية ومنعه من اللعب في التصفيات، ونعود بالذاكرة أيضاً إلى حوالي أربعة عقود مضت لنسرد هذه الواقعة عن التدخلات السياسية في الرياضة حيث أسفرت قرعة التصفيات الأفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في إسبانيا سنة 1982 عن مواجهة بين المنتخبين الليبي والمصري، وحدد يوم 22 ديسمبر 1980 موعداً لمباراة الذهاب بملعب طرابلس، ويوم 6 يناير 1981 موعداً لمباراة الإياب بملعب القاهرة الدولي، وكانت العلاقات السياسية متوترة بين البلدين ولهذا كانت الرياضة أحد ضحايا هذه الخلافات بين حكام ذلك الزمن، وكما جاءت التعليمات أصر اتحاد الكرة الليبي على أن تأشيرات الدخول للفريق المصري ستمنح لهم بمجرد وصولهم إلى مطار طرابلس العالمي، وأصر اتحاد الكرة المصري على ضرورة حصول لاعبي الفريق المصري على التأشيرات قبل التوجه إلى ليبيا، ونتيجة لهذه الإشكالية التي لم يجد لها أحد أي حل تدخل الاتحاد الدولي لكرة القدم وعقد اجتماعاً بين مندوبي الطرفين في مدينة روما في ديسمبر 1980، وأمام إصرار كل طرف على موقفه أضطر الاتحاد الدولي أمام هذا العناد إلى نقل المباراتين لتقام في إيطاليا الأولى في مدينة ليتشي والإياب في مدينة باري، لكن الاتحاد الليبي لكرة القدم الذي كان محكوماً بتوجيهات عُليا رفض قرار الاتحاد الدولي وأعتبره منحازاً للفريق المصري، وانسحب من المشاركة واعتُبر خاسراً لنتيجة المباراتين، إنها الرياضة المسكينة التي أفسدها الحكام بتدخلاتهم فيها، ولا أعتقد أن ذلك يحدث بين الدول الأوروبية المتحضرة، لأنه لكل مسؤول صلاحياته واختصاصاته المحددة التي لا يخرج عن نطاقها احتراماً لنفسه ولمواطنيه، وقد يكون هذا التدخل أحد الأسباب الرئيسية في انتكاسة الرياضة وتأخرها في معظم عالمنا العربي، الذي نتمنى أن يتغير واقعه السياسي إلى مساحة أكبر من الحريات حتى تنجح كافة أموره الحياتية وليست الرياضية فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى