محمد حسن.. جوهرة الفهود السمراء الذي حصد الألقاب والبطولات محليا ودوليا ورحل سريعا
يعد النجم الراحل محمد حسن عبدالله، أحد أهم المواهب الكروية التي أنجبتها الملاعب الليبية، فقد كان الفتى الذهبي لفريق نادي التحدي في عصره الذهبي، حيث كان أصغر نجوم الفريق البطل الذي توج بلقب الدوري الممتاز الليبي مع الفهود في الموسم الرياضي 1976 / 1977.
المعلم والتلميذ
في مطلع السبعينيات كان نادي التحدي العريق والكرة الليبية على موعد مع ميلاد واكتشاف موهبة كروية جديدة حطت أقدامها الرشيقة بمهارة على ملاعب نادي التحدي حين قدمها الراحل فتحي سويري، وكأنها كانت على موعد ولقاء مرتقب مع المدرب المصري القدير علي شرف، حيث تزامن التحاقه بأشبال التحدي مع وصول المدرب المصري القدير قادمًا من القلعة البيضاء الزمالك إلى القلعة البيضاء بالصابري، فكان اللقاء بلا موعد فهو لقاء المعلم والتلميذ، حيث أحاطه برعايته واهتمامه الخاص منذ بداية خطواته الأولى وأشرف على إعداده وصقله حيت تتلمذ على يديه وتدرج به ومعه.
أصغر نجوم موسم التتويج
حتى دفع به صغيرًا على مسرح النجوم ومنحه الثقة بين كوكبة من أبرز لاعبى التحدي الكبار في الموسم الرياضي 75 – 76 لنبوغه وموهبته لتبدأ رحلة فتى الفهود الذهبي مع ملاعب الشهرة والأضواء، فلم يمض سوى موسم واحد حتى أصبح لاعبًا أساسيًا بالفريق الأول بنادي التحدي وأحد أوراقه الرابحة وأحد نجوم الفريق الذين أعادوا الفهود إلى منصات التتويج بعد غياب ليتوج ببطولة الدوري الليبي لكرة القدم في الموسم الرياضي 76 – 77، وكان أصغر نجوم الفريق البطل ليتذوق طعم الألقاب والبطولات مبكرًا قبل الكثير من النجوم من أبناء جيله ولم يتجاوز عمره وقتها الثامنة عشر عامًا.
النجم الصغير الكبير
كان النجم الراحل محمد حسن عبدالله، يملأ الملاعب حركة وحيوية ونشاطا وشغل الجمهور الرياضي وقتا طويلا، ولطالما هتفوا ورددوا اسمه كثيرًا في الكثير من المواعيد الكروية الكبيرة، حيث كان مثار اهتمامهم وإعجابهم بأسلوبه الفريد والرشيق فكان ملء السمع والبصر.
وقدم أفضل مبارياته خلال موسم البطولة أمام فريق الاتحاد بملعب بنغازي، والتي تفوق بها فريق التحدي بهدف لصفر وساهم الراحل في هدف الفوز الثمين الوحيد حين التحم بمدافع الاتحاد العملاق عبدالسلام محمد فتهيأت الكرة أمام اللاعب أحمد الفلاح الذي سددها لتعانق شباك الحارس محمد لاغا معلنة عن هدف الفوز للفهود.
مستقبل المنتخب الليبى
ولم تنتهي حكايته المثيرة عند هذا الحد حيث واصل انطلاقته القوية فعندما تعاقد الاتحاد الليبي وقتها مع المدرب الإنجليزى رون برادلي، والذي جاء ليجدد شباب المنتخب الليبي كان الراحل محمد حسن أحد اللاعبين الشبان والدماء الجديدة الذين وقع عليهم الاختيار في تشكيلة منتخب الجيل الجديد والمستقبل.
واصطحبه معه في دورة مارديكا الدولية بماليزيا عام 1977 إلى جانب العديد من النجوم من أصحاب الخبرة والتجربة والشباب وأشركه واختبره في بعض المباريات الدولية لفترات محدودة أمام منتخبات كوريا والعراق وماليزيا وتايلاند، كما شارك مع منتخبنا الوطني في معسكراته التدريبية الخارجية التي أقامها ببلغاريا وسوريا وإيطاليا، وعندما عاد الفريق إلى ليبيا سجل ظهوره الأول في تشكيلته الجديدة التي كانت مزيج بين الشباب وعناصر الخبرة والتجربة.
إحدى مفاجآت برادلي
كان الراحل محمد حسن ضمن تشكيلة برادلي في البطولة العربية المدرسية التي أقيمت بطرابلس عام 1977، وأحد أبرز مفاجأته الجميلة لجمهور الكرة الليبية، ودفع به لاعبًا أساسيًا في تشكيلته الجديدة، وشارك في جميع مباريات البطولة أمام منتخبات فلسطين واليمن وسوريا، ثم في المباراة النهائية أمام منتخب الكويت التي تفوق فيها منتخبنا الوطني بهدف لصفر أحرزه اللاعب والمهاجم الراحل بشير الريانى وتوج بالقلادة الذهبية للبطولة ليضيف النجم الراحل محمد حسن الإنجاز واللقب الثاني في رصيده بعد أشهر قليلة فقط من احتفاله بتتويجه الأول على مستوى بطولة الدوري الليبي مع فريقه التحدي في نفس عامه الذهبي عام 1977
وسيط إيطالي على الخط
خلال المعسكر التدريبى الذي أقامه المنتخب الليبي بإيطاليا قبل انطلاق الدورة المدرسية بطرابلس حضر وسيط ووكيل لاعبين إلى معسكر منتخبنا بروما وتابع التدريبات والمباريات الودية التي خاضها الفريق هناك وألتقى بمدرب الفريق الإنجليزى رون برادلي ومدير المنتخب الوطني وقتها الأستاذ فيصل فخري، وطلب أن يتواصل مع عدد من نجوم الفريق الصغار الذين لفتوا انتباهه من بينهم الراحل محمد حسن للحصول على فرصة اللعب والاحتراف بأحد الأندية الإيطالية فتم ابلاغه بأن الاحتراف ممنوع بليبيا ولا نستطيع أن نلبي لك طلبك بالتواصل مع أي من اللاعبين.
الحظ العاثر
بعد كل هذا التألق والنجاح الكبير والسريع في فترة زمنية قصيرة محليًا ودوليًا لم يكن يدري النجم الراحل محمد حسن أن سوء الحظ العاثر كان يتربص به ففي مباراة فريقه التحدي أمام الأهلي بطرابلس في الموسم الرياضي 77 – 78 تعرض لإصابة خطيرة، جعلته يبتعد عن الملاعب لقرابة ستة أشهر حيث توجه ليوغسلافيا لتلقي العلاج، وهي الإصابة التي حرمته من الظهور مع فريقه خلال مشاركته في بطولة الأندية الأفريقية عام 1978، وحرمته كذلك من المشاركة والظهور مع منتخبنا الوطني خلال مشاركته في دورة الألعاب الأفريقية بالجزائر عام 1978التي تأهل منتخبنا إلى منافساتها عقب اقصائه للمنتخب التونسي.
من الملاعب الكبيرة إلى الصغيرة
وكان يمكن أن تستمر مسيرة هذا الفتى الذهبي طويلا عقب عودته من رحلة علاج طويلة من يوغسلافيا، حيث عاد وهو أقوى من أي وقت مضى، وواصل مشاركته مع فريقه التحدي في الموسم 78 – 79 وهو الموسم الذي لم يكتب له أن يستمر فتوقف وتوقفت معه المسابقات الكروية لثلاثة مواسم، لكنه واصل عشقه لمداعبة الكرة باحثا عنها في كل مكان، وعندما أقيم أول دوري على مستوى الملاعب الصغيرة “الستاك”، وهو ملعب الضريح ببنغازي أواخر السبعينيات أطلق الراحل محمد حسن العنان لموهبته، وكان أحد أبرز نجومه وكان له جمهوره الخاص حيث تألق في الدوري الرمضاني رفقة العديد من النجوم.
الظهور الأخير
وعند عودة النشاط الرياضي الكروي بإقامة وتنظيم دوري المرحلة الثالثة للدوري موسم 81 – 82 عاد النجم محمد حسن إلى الواجهة والظهور من جديد مع فريقه التحدي والدفاع عن ألوانه حيث شارك في هذا الموسم وهو الموسم الرابع والأخير في مسيرته الكروية القصيرة وواصل رحلة التميز مع نجوم الفهود
رحلة الوداع
ولم يكتب لمسيرته أن تستمر إذ سرعان ما تعثرت وتوقفت وانتهت الحكاية المثيرة فى يوم صيفى حزين عام 1981 عقب انتقاله للدراسة بكلية العلوم والتربية بجامعة البيضاء حيث كان يمني النفس في الجمع بين النجاح والتوفيق في مسيرته الكروية ومسيرته العلمية حيث تعرض لحادث سير أليم في منطقة سيدي سويكر وهو في طريقه إلى مدينة البيضاء، ولم يكن يدري أنها ستكون رحلة الوداع لكنها إرادة المولى عز وجل، ليفارق ويودع الحياة عن عمر قصير لم يتجاوز 22 عامًا مودعًا رحلته القصيرة التي كانت حافلة بالعطاء والتميز والإبداع وهو في ريعان شبابه وقمة نجوميته وتألقه وشهرته وكما هى عادة الأشياء الجميلة دائمًا تأتى سريعًا وتمضي سريعًا دون أن نستمتع بها كثيرًا لتغادرنا بلا موعد ولتترك فينا أثرًا لا يموت.
قالوا عن النجم الراحل محمد حسن
قال عنه رفيق دربه في المنتخب الليبي فوزي العيساوي: كان الراحل محمد حسن نعم الأخ والصديق والرفيق تميز أدائه بالرشاقة والذكاء والحيوية وكنت أرتاح كثيرًا حين يلعب إلى جانبي فهو لاعب ذكي وصاحب أسلوب خاص لقد فقدت أعز أصدقائي في وقت مبكر.
وقال عنه المدافع الدولي الكبير بوبكر باني: لن أنسى اللاعب الكبير محمد حسن اللاعب الخلوق وأحد أبرز نجوم وسط الملعب الذي فقدناه في عمر الزهور، فهو لاعب من طراز رفيع ويتمتع بلمسات ساحرة.
بينما قال عنه المدرب فرحات سالم الذي عمل مدربا مساعدا لمدرب منتخبنا الوطني الإنجليزى رون برادلي: النجم الراحل محمد حسن كان مشروع لاعب كبير لاعب فنان ترك بصمة رغم قصر رحلته الكروية أهم ما تميز به هذا اللاعب هو الالتزام والانضباطية وكان لاعب ذكي يجيد أداء المهام الموكلة إليه داخل الملعب ولديه قدرة على الاستيعاب وتطبيق التعليمات والانضباط داخل الملعب.
أما زميله ورفيقه منذ الصغر بنادي التحدي اللاعب السابق محمد حويل، فقال عنه: كان الراحل محمد حسن يمتاز بالجدية أثناء التدريبات وأثناء اللعب وكان لاعبا طموحا ومتطورا في أدائه حريص على الاهتمام بمظهره وسلوكه والالتزام التام والتواضع حتى بعد نجاحه المبكر مع المنتخب لم يتغير ولم يتكبر على رفاقه وزملائه، وأول مباراة جمعتنى به ضمن تشكيلة واحدة كانت بين أشبال الأهلي بنغازي والتحدي وفي هذه المباراة أهدر الراحل محمد حسن ركلة جزاء فانهار من شدة البكاء على ضياع هذه الركلة بعد أن انتهت المبارة بفوز أشبال الأهلي بهدف لصفر، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أنه لاعب غيور على الغلالة ومحب لناديه ويلعب له بإخلاص وانتماء لقد تعلمت منه الكثير فهو ليس مجرد لاعب بل هو إنسان وفي لديه قدرة على تحمل المسؤولية – رحم الله نجم الكرة الليبية الكبير الراحل – محمد حسن عبدالله، وعوضنا جميعا في هذا الرحيل المبكر والسريع خيرًا.