ميلاد الجيلاني.. عاشق الأهلي طرابلس الغيور الذي بذل الجهد والعطاء الوفير في عشق الزعيم
يعد المشجع الغيور الأهلاوي ميلاد الجيلاني الغرياني الشهير بـ(كُلوكلا)، من رجال الأهلي طرابلس المخلصين الأوفياء، حيث كان بالنسبة لكل لاعبي الزعيم من جيل السبعينيات الأخ الذي لم تلده أمه.
أشهر القصص الطريفة
ومن أشهر القصص الطريفة التي حدثت للجيلاني مع على الأسود نائب رئيس النادي الأهلي وأحد نجوم فريق الأهلي طرابلس في السبعينيات، بعد انتهاء مباراة الأهلي الشهيرة أمام فريق الاتحاد في الموسم الرياضي 1970 / 1971، والتى قلب فيها الزعيم النتيجة من خسارة في الشوط الأول بهدفين مقابل لا شيء إلى فوز في الشوط الثاني بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدفين تناوب على تسجيلهم كل من اللاعبين حسن السنوسي، رحمه الله، وحسن دريبيكة وعلي الأسود، طلبوا منا ضرورة التوجه للنادى بمقره السابق بحى الأندلس لأن الجماهير الأهلاوية تنتظرنا هناك للاحتفال بالفوز.
ويقول الأسود عن هذه الواقعة: “لقد ذهبنا إلى مقر النادي وقبل دخولى للنادى كان هناك شخص أسمر البشرة طويل القامة صاحب بنية جسمانية قوية يقف أمام الباب وهو ينادي بأعلى صوته، وينه ولد لسود.. وينه ولد لسود”.
ويضيف الأسود: “أصارحكم القول بأن الخوف ملكني خاصة وأن من كان يقف بجانبه رجل أعرفه حق المعرفة لعبت ضده عندما كان يلعب مع فريق المجد وأنا مع العهد الجديد واسمه محمد الزاوي، رحمه الله، وهو أحد مشجعي فريق الاتحاد، المهم انتظرت قليلا وانتهزت فرصة قدوم بعض الجماهير فدخلت معهم خلسة وبالداخل كان النادي يعج بالجمهور وهو يهتف باسم الأهلى وكان بينهم رجل يحمل صندوق كرتوني يلف به على الجماهير من أجل التبرع للنادي كل حسب إمكانياته، وهي عادة كانت تستخدم في المباريات الكبيرة وفجأة وجدت ذلك الرجل وهو مازال ينادي وينه ولد لسود.. وينه ولد لسود، وهنا قال له صاحبه محمد الزاوي: أهو علي الأسود فعانقنى الرجل بقوة حتى انحبست أنفاسى وبعد أن عرفني بنفسه بأنه ميلاد الجيلانى، قال لي أنت غدًا معزوم على الغداء عندي في البيت وهات معاك ما تشاء من لاعبي الأهلي ووصف لي العنوان.
جهد وعطاء كبير
ويكمل نائب رئيس النادي الأهلي: “بالفعل في اليوم التالي كنا في الموعد أنا وعبدالباري الشركسي وحسن النابولي وميلود الهوني وحسين الجدائمي، رحمه الله، ومنذ ذلك اليوم توطدت العلاقة بيننا وأصبح بالنسبة لنا الأخ الذي لم تلده أمهاتنا”.
لقد قدم ميلاد الجيلاني الكثير للأهلي، قدم الجهد والعطاء الكبير والدعم المادي وكان دائما الحضور في التدريبات والمباريات سافر معنا لكل مكان لعبنا فيه كان هناك في مصر والسودان والجزائر، وعندما أفتتح مطعمه الذي أطلق عليه الشمس بشارع ميزران بجانب الضمان الاجتماعي كان المطعم للأهلي ولأبناء الزعيم، وهذا لم يمنع بقية لاعبي الأندية الأخرى من التواجد لتناول وجبة الغداء قبل المباريات خاصة أبناء نادي الوحدة العريق.
ميلاد الجيلاني هو ليس حفيد حاتم الطائي لكنه كان رجل بحجم وطن، العطاء والكرم كان سمته وبيته دائمًا عامر بالضيوف خاصة من أبناء الأهلي وكانت له علاقات متينة مع كل من ينتمي للوسط الرياضي ومحبوب من الجميع وباب بيته مفتوح لجميع من قصده وهو شخصية أهلاوية عالية كالسحاب يجب على كل أهلاوي أن يرفع القبعة له تقديرًا لما قدمه للزعيم.
رجل مثل الجبل
والجيلاني من رجال الأهلي الذين كانوا مثل الجبال وكلما هبت الرياح العاتية كانت سواعدهم لا تلين وإنما تشتد وكانت له ميزة لم تتكرر إلى يومنا هذا أنه كان يحضر المباريات صحبة أصدقائه الحاج محمد البولاطي، مشجع المدينة الشهير، ومحمد الزاوي، مشجع فريق الاتحاد، وأحميدة البرعصي، من المدينة وغيرهم، وكانوا يجلسون معًا في مدرج الأهلي ولم نسمع في يوم من الأيام أن حدث بينهم أي شيء بسبب الاختلاف في الانتماء يعكر صفو تلك الصداقة التي جمعتهم، رحمهم الله جميعًا وجعل مثواهم الجنة
ويقول الأسود: “كانت لي عدة مواقف أذكر منها فى عجالة أنه يوم أن فزنا على فريق الأهلي بنغازي موسم 1974 / 1975 بهدف مقابل لا شيء كان من نصيبي وجدته ينتظرنا بسيارته فركبنا معه أنا والجدائمي، رحمه الله، للذهاب للنادي وفي أثناء الحديث قال: إن الهدف الذي سجلته اليوم يا ولد لسود خير من ألف جنيه، فقلت له على سبيل المزاح هات ألف جنيه وخده حلال عليك، ففتح درج سيارته على الفور وأخرج مبلغ ألف جنيه، وقال لى: هذا الألف ومعاش ليك الهدف ولا عاد تتكلم عليه قلت له إنى أمزح يا ميلاد والأهداف الأهلاوية لا تشترى بالمال وأنت خيرك مغرقنا جميعا”.
سيارة جديدة
ويضيف: “موقف آخر لازلت أذكره جيدًا إنه في إحدى المرات وأنا أدخل الملعب البلدي لحضور إحدى المباريات المهمة، وعند وصولي قرب منصة الشرف نزل لي مسرعًا وهو يشطاط من الغيظ، ويقول بالصوت العالي غدًا سيارة جديدة P.M.W ستكون عندك وأنا أقول له غير بالشويه يا عم ميلاد، راهو إني عندي سيارة، وأنت تعرف ذلك لكنه كان مصراً ويقسم بأنها غدا ستكون عندي فقلت له : “اسمع يا عم أنت راك خوي وصاحبي والخو عمره ما يستغل خوه وصاحبه السيارة عندي ومستحيل نخليك تشريلي وحدة ثانية”، وهنا عندما سمع هذا الكلام نزلت دموعه وعانقني وقال لي باهي أطلب حاجة ثانية قلت له بعد انتهاء الدوري نسافروا لمصر، فضحك، وبهكذا انتهت قصة السيارة الجديدة التى اتضح فيما بعد أنه أثناء جلوسه بالمصنع الشرفية أخبروه بعض مشجعي أحد الفرق بأنهم اشتروا سيارة P.M.W جديدة لأحد اللاعبين وكانوا يقصدون من ذلك استفزازه وإغاظته.
أنفاس الأهلي
ويتابع الأسود: “كثيرة هي المواقف ليس معي فقط ولكن مع أغلب اللاعبين، هذا غيض من فيض عن الراحل المشجع الغيور ميلاد الجيلاني، وخلاصة القول كان من رجالات الأهلي الداعمين الفاعلين المؤثرين، وأذكر أنه قبل رحيله كنت أزوره صحبة رفيق الدرب عبدالباري الشركسي بمستشفى شارع الزاوية حيث كان يرقد على فراش المرض كان حديثه بالرغم من الوجع والألم كله عن الأهلي ويقول لنا أن أنفاس الأهلي يجب ألا يحبسها أحد وأن الزعيم يمرض لكنه لا يموت”.
وهكذا تظل الكلمات من الأعماق تنبض من داخل خلجات القلب ممزوجة بالمحبة وعلى درب الوفاء نعترف لرجال الأهلي بما قدموه من عطاءات غزيرة فالوفاء ليس كلمات تحفظ أوعبارات يتجمل بها المتحدثون، الوفاء صفة عظيمة يعرف قيمتها الأنبياء والرائعون، وعندما رحل عن هذه الدنيا الفانية بكته جميع الأندية على مختلف انتمائتها بل بكته مدينة طرابلس كلها، رحم الله ميلاد الجيلاني الغرياني، وغفر له وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.