الرياضة الليبية

سليمان إبراهيم.. الحكم الدولي الشجاع الذي تخصص في إدارة المواجهات الحاسمة والديربيات

الحكم الدولي سليمان إبراهيم.. هو أحد أبرز حكام كرة القدم في تاريخ كرة القدم الليبية منذ منتصف السبعينيات وحتى مطلع التسعينيات وهو من الحكام الذين حملوا الصافرة بنزاهة وأمانة وكان يتمتع بشخصية قوية في الملعب فرضت احترامها على الجميع حيث كانت كل الأمور تحت سيطرته فوق أرضية الميدان لشجاعته وصرامته فهو مقدام ينفذ القانون دون مجاملة ولا يخشى في الحق لومة لائم، وقلما تجد من يعترض على قراراته لكونه يتعامل مع كل الفرق بنفس الأسلوب والأداء ويقف على مسافة واحدة من الجميع.

 

من حراسة المرمى إلى التعليق إلى التحكيم

بدأ الحكم الدولي الراحل سليمان إبراهيم مسيرته الرياضية بممارسة كرة القدم في منتصف الستينيات حين التحق بفريق الصابري كحارس مرمى، ثم أراد أن يلتحق بمجال الإعلام الرياضي عندما قرر أن يكون معلقًا على مباريات كرة القدم من خلال الإذاعة المسموعة، وقد خضع لاختبار فني بالإذاعة تمهيدًا لاعتماده معلقا رسميا على مباريات كرة القدم إلا أن اهتمامه بنشاط لعبة كرة القدم وبقوانينها ولوائحها الإدارية جعلته يتجه إلى مجال التحكيم ليصبح فيما بعد حكما رسميا بعد أن تجاوز مراحل الاختبارات العملية والنظرية بإمتياز.

 

إيقاف مبكر عن التحكيم

هناك واقعة كان لها تأثير مباشر على تفعيل مسيرة الحكم الجاد سليمان إبراهيم وكانت نقطة تحول كبيرة ساهمت فيما بعد في وصوله إلى الشهرة والمكانة التى استحقها بجدارة، والتى كانت نتاج طبيعي للنزاهة والمساواة والعدالة التي تميزت بها صافرة الحكم القدير سليمان إبراهيم.

وحدتث الواقعة المؤثرة له مبكرًا في إحدى المباريات المحلية التي أدارها في بداية مسيرته التحكيمية مطلع السبعينيات كانت نتيجة الالتزام بنص وروح قانون اللعبة دون استخدام القدرة على تقدير المواقف وحساسيتها مما أدى إلى إصدار قرار بإيقافه عن التحكيم لفترة زمنية إلا أن هذا القرار كان درسا مستفادا وأحدث نقلة كبيرة في مشواره التحكيمي وكان بمثابة الإعلان عن ميلاد حكم جديد أصبح فيما بعد ظاهرة مميزة وقدوة للآخرين.

 

ظاهرة تحكيمية بامتياز

عاد الحكم الدولي الراحل سليمان إبراهيم عقب هذا القرار للملاعب، وهو  أقوى من أي وقت مضى وبقدرة وأسلوب متطور في التحكيم قوامه الالتزام بروح القانون والقدرة على تقييم الواقع ومعالجته بالحكمة والنزاهة.

 

حكم النهائيات والديربيات

الحكم الدولي الشجاع سليمان إبراهيم نجم المواعيد الكروية الكبيرة وأكثر حكام جيله إدارة للمباريات النهائية والديربيات فكلما كانت هناك مباراة حاسمة ومعقدة كان لها سليمان إبراهيم ليديرها بكل شجاعة واقتدار ليخرج بها إلى بر الأمان

يدين الحكم الدولي الراحل سليمان إبراهيم للحكم الدولي الراحل محمد السنوسي البيجو، حيث تتلمذ على يديه وتدرج سريعًا وبرزت موهبته حتى وصل حكمًا للدرجة الأولى في ملاعب الدوري الليبي الممتاز في منتصف السبعينيات وكانت مباراة الأهلي بنغازى والمدينة الحاسمة ضمن إياب الدورة الثلاثية لبطولة الدوري الليبي موسم 75 – 76 أولى المواجهات الكبيرة التي أدارها بامتياز.

 

واستمرت رحلة التألق حتى أصبح أكثر الحكام المحليين إدارة للمباريات النهائية والديربيات، حيث أدار مواجهات الأهلي طرابلس مع الاتحاد والأهلى ببنغازي مع النصر ودارنس مع الأفريقي، كما أدار نهائي بطولة الدوري الليبي عقب استئناف النشاط الكروي في الموسم الرياضي 82 – 83 بين فريقي الأهلي طرابلس والمدينة، والذي توج ببطولته فريق المدينة عقب فوزه على منافسه الأهلي طرابلس بهدفين لهدف وهو النهائي الذي اعتبر وقتها من أقوى وأصعب النهائيات.

 

أول حكم يقام له مهرجان اعتزال

 ويعد الحكم الدولي الراحل سليمان إبراهيم، الحكم الوحيد في تاريخ التحكيم الليبي الذي أقيم له مهرجان اعتزال كبير في عام 1994، بإقامة مباراة جمعت فريقي الأهلي بنغازي والهلال حيث أنصفه الاتحاد الليبي لكرة القدم برئاسة رئيسه عبدالرؤوف السري، ورئيس الاتحاد الفرعي بنغازي الراحل فرج اسكيليل، بعد أن طاله الظلم والاحجاف بعدم منحه الشارة الدولية “البادج” التي كان يستحقها بجدارة والتي نالها العديد من الحكام الذين يقلون عنه جودة  وكفاءة، رغم أنه رشح لها وأدار العديد من المباريات الدولية داخل وخارج ليبيا، لكنه كان يقول دائمًا تكفيني شهادة الملاعب والجمهور الرياضي.

 

وخلال مباراة ومهرجان اعتزاله الذي جمع فريق الأهلي بنغازي بفريق الهلال، والتي أقيمت بحضور جماهير كبيرة لم يتمالك حكمنا الدولي القدير نفسه وهو يودع الملاعب والصافرة فانهمرت دموعه بغزارة وسط تصفيق استمر طويلا من الجمهور الرياضي فكانت لحظات مؤثرة وكانت صورة ومشهد معبر لا يتكرر كثيرًا أن يجمع الجميع على كفاءة حكم كرة القدم اقنعهم طوال مسيرته التحكيمية بأدائه الرفيع وشجاعته وحياديته.   

 

ألغى هدفًا للمنتخب المغربي أمام جماهيره

 شارك الحكم الدولي الراحل سليمان إبراهيم كحكم مساعد للحكم الدولي الجزائري الذي أدار المباراة النهائية التي جمعت منتخب المغرب أمام منتخب العراق من أجل نيل القلادة الذهبية للدورة العربية السادسة التي أقيمت بالمغرب عام 1985، والتي حسمها المنتخب العراقي بهدف لصفر حيث ألغى  حكمنا الدولي سليمان إبراهيم هدف التعادل للمنتخب المغربي أحرزه مدافعه مصطفى البياز، وعند إعادة اللقطة عبر التلفاز تأكد أن الهدف المغربي غير صحيح وأن قرار حكمنا الدولي المساعد سليمان إبراهيم كان في محله، وقرار صائب ودقيق وشجاع، وتوج وقتها المنتخب العراقي بلقب البطولة.

 

حكاية مثيرة مع الفيتوري رجب

وللحكم الدولي الراحل سليمان إبراهيم حكاية أخرى مثيرة مع حارس مرمى منتخبنا الوطني والأهلي بنغازي السابق الفيتوري رجب، حين قال له في إحدى المناسبات لو تم تكليفي بإدارة مباراة للأهلي بنغازي فلن أسمح لك باللعب بالغلالة الشهيرة التى ترتديها دائمًا، وعليها رقمين الرقم 5 من الأمام ورقم 2 من الخلف.

ويجيب الفيتوري لا يوجد نص في قانون اللعبة يمنع ذلك ولا تستطيع لأنني سبق أن لعبت بها العديد من المباريات الدولية مع منتخبنا الوطني بإدارة حكام دوليين ولم يمنعونني من ارتداء غلالتي وسمحوا لي باللعب بها، وتشاء الصدف أن يكلف الحكم سليمان إبراهيم بإدارة مباراة للأهلي والفيتوري يرتدي غلالة حارس المرمى عليها الرقمان 5 و 2، ويصر الحكم سليمان إبراهيم  على ضرورة تغيير الغلالة ويرفض الفيتوري رجب وتتأخر بداية المباراة  وهذا يعني أن الحكم سوف يعطي وقت محدد ثم يعلن عن نهاية المباراة ويعتبر  الأهلي خاسرًا نتيجة المباراة وتدخل إداري الفريق وقتها خليفة بن صريتي  مدير الكرة، وطلب من الحارس الفيتوري استبدال الغلالة بالتي يرتديها الحارس البديل في تلك المباراة رمزي الكوافي حتى لا تضيع المباراة، وفعلا استجاب الفيتوري وقام باستبدال غلالته مع الحارس البديل رمزي عند خط التماس وأقيمت المباراة وفاز الأهلي بنغازي على منافسه الهلال.

 

وتظهر الصور المرفقة وتوثق لهذه الحادثة الشهيرة والفريدة من نوعها للحكم الدولي سليمان إبراهيم وهو يصر على موقفه في حديث مع الفيتوري وفي الصورة الثانية الفيتوري رجب مع مدير الكرة ورمزي مع المدرب الإنجليزي ترفل، وكان هذا اجتهاد من حكمنا الدولي الراحل الذي عرف بإصراره على تنفيذ قراراته وبثقافته التحكيمية الواسعة وحسن اطلاعه وبحثه الدائم والمستمر على كل جديد يخص قانون لعبته التي برع في ميدان تحكيمها طويلا كحكم نزيه وشجاع وواثق من قراراته، حتى أنه خلال فترة الثمانينيات استمر الفيتوري في الملاعب وأصبح يرتدي فيما بعد غلالة تحمل رقم واحد بدلا من غلالته السابقة التي كانت تحمل رقمين والتي لطالما تألق بها محليًا ودوليًا بعد أن طرأ تعديل من الاتحاد الدولي الفيفا بعد سنوات يقضي بأن يرتدي اللاعب نفس الرقم من الأمام ومن الخلف.

 

خبيرًا ومحاضرًا تحكيميًا

عمل الراحل سليمان إبراهيم عقب اعتزاله مجال التحكيم والصافرة مراقبًا ومحاضرًا تحكيميًا ساهم في الإشراف على العديد من الدورات التأهيلية في مجال التحكيم أسهمت في تخريج وتقديم العديد من الأجيال.

 كما عاصر كحكم ثلاث أجيال وترأس لجنة التحكيم العامة وعمل عضوًا باتحاد فرعي بنغازي وكان إداريًا متميزًا في الإدارة والتنظيم ورمز المواقف الشجاعة والأخلاق الطيبة.

 

انتقل الحكم الدولي سليمان إبراهيم إلى الرفيق الأعلى، يوم الأحد الموافق الأول من شهر يوليو عام 2012 إثر حادث سير أليم، وشارك جميع أفراد الأسرة الرياضية من مختلف ربوع الوطن في تشييع جثمانه الطاهر يوم وداعه، ليظل سليمان إبراهيم تاريخ حافل وناصع وذكرى خالدة في نفوسنا وظاهرة فريدة من نوعها وبصمة كبيرة لا تمحى في تاريخ ومسيرة التحكيم في ليبيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى